أحدث الأخبار
عاجل

5 أسس قرآنية للسماحة الإسلامية

+ = -

في زمن تتصاعد فيه أمواج العنف، وتعلو فيه أصوات التعصب، وتضيق فيه صدور كثير من البشر، يبقى القرآن الكريم منارة مضيئة ترشد الإنسانية إلى أفق رحب من الرحمة والتسامح، وترسم للناس طريقًا يقوم على العدل والإحسان والمساواة،

لقد جاء الإسلام ليحرر العقول من قيود التعصب، والقلوب من أمراض القسوة، والأمم من ظلم الاستبداد، فكان دين السماحة واليسر، كما وصفه رب العالمين في آياته البينات.

وليس في كتاب الله تعالى آية إلا وتحمل في طياتها روح الرحمة، وتؤكد أن مقاصده العليا قائمة على رفع الحرج، ودفع المشقة، ورد الظلم، وتحقيق العدل بين الناس جميعًا.

والسماحة في القرآن ليست شعارًا يُرفع أو دعوى تُردَّد، بل هي أساس عقدي وتشريعي وأخلاقي، يتجسد في المعاملات، ويظهر في المواقف، ويترسخ في القيم والمبادئ.

ومن هنا تأتي أهمية استقراء الأسس القرآنية للسماحة، لنقف على معالمها، ونكشف عن أبعادها العقدية والتشريعية والأخلاقية، ونبيّن كيف يمكن أن تسهم في بناء عالمٍ يسوده التفاهم والتعايش، بعيدًا عن نزاعات الكراهية والصدام.

1- الأساس العقدي:

ترتكز السماحة في الإسلام على أساس الاعتقاد بأن الله عز وجل هو الخالق لكل شيء، ووسعت رحمته كل شيء، حيث قال تعالى: (اللَّهُ ‌خَالِقُ ‌كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (الزمر: 62)، وقال عز وجل: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (الأعراف: 156)، والناظر في كلمة شيء؛ يجد أنها نكرة، والنكرة تفيد العموم، فالله تعالى هو الخالق لعموم الأشياء والكائنات، وهو الذي يرحمها جميعاً، فرحمته عز وجل تشمل جميع الأشياء، من إنسان وحيوان ونبات وجماد وغيرها من المخلوقات.

ويسهم اعتقاد المسلم بذلك في الدعوة إلى الرحمة بعموم الأشياء كأصل من أصول التعامل بينه وبين غيره من الكائنات، فضلاً عن الإنسان، سواء كان متفقاً معه أم مخالفاً له، فالأصل في التعامل هو الرحمة والسماحة، وليس العنف والقسوة.

ويضاف إلى اعتقاد المسلم في وحدة الخالق ورحمته بعباده؛ اعتقاده أيضاً بتكريم الله تعالى للإنسان عموماً، بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسه، حيث قال الله تعالى: (وَلَقَدْ ‌كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الإسراء: 70).

2- الأساس التشريعي:

قامت التشريعات الإسلامية على أساس الدعوة إلى السماحة في التعامل مع جميع المخلوقات، فقد تأسس التشريع الإسلامي على التيسير ورفع الحرج، حيث قال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة: 185)، كما دعت التشريعات الإسلامية إلى التيسير على الناس ودفع المشقة عنهم، حيث قال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ ‌الْيُسْرَ ‌وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة: 185)، وقال أيضاً: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ ‌يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) (النساء: 28)، وقال عز وجل: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: 78).

كما تأسس التشريع الإسلامي أيضاً على الوسطية والاعتدال، حيث قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) (البقرة: 143)، وتسهم هذه الوسطية في إقرار الحق والعدل، بعيداً عن التطرف، سواء كان تفريطاً أم إفراطاً، وهذا يؤدي إلى السماحة واليسر.

3- الأساس الأخلاقي:

دعت الأخلاق الإسلامية إلى السماحة في التعامل مع العوالم الكونية كلها، سواء كانت هذه العوالم متعلقة بالإنسان أم الحيوان أم النبات والجماد، فالأصل في التعامل معها كلها هو الرفق واللين، ورفع الأذى والضرر عن الجميع، إلا ما وقع من تجاوز أو انتهاك للحدود، حيث قال تعالى: (وَإِنْ ‌عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (النحل: 126)، وقال عز وجل: (‌وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (الشورى: 40)، ففي هذا دعوة إلى حفظ الحقوق، وإرشاد إلى الارتقاء في التعامل إلى العفو والصفح، حيث قال تعالى: (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) (الحجر: 85).

كما دعت الأخلاق الإسلامية إلى العدل والإنصاف والإحسان والبر، وكلها أخلاق تؤسس للسماحة والرحمة، حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ ‌شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة: 8)، وقال عز وجل: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {8} إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة).

4- الأساس الاجتماعي:

ترتكز السماحة الإسلامية على الأساس الاجتماعي في تكوينها وتأسيسها، فقد حث القرآن الكريم على العديد من المبادئ الاجتماعية المؤسسة للسماحة، حيث أقر الإسلام مبدأ الاعتراف بالتنوع والتعدد والاختلاف بين الناس، فقد قال الله تعالى: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ {118} إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) (هود)، فالناس مختلفون بإرادة الله تعالى، ولا يمكن أن يجتمعوا في كل شيء، ولهذا دعا إلى التعايش السلمي، بعد إقرار كل إنسان على الدين الذي ارتضاه لنفسه، مع عدم التعدي على غيره، فقد قال تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (الكافرون: 6).

كما دعا إلى الاعتراف بالوحدة الإنسانية، التي تؤكد أن الله تعالى هو خالق الناس أجمعين، فيجب احترام هذا الأمر، حتى وإن اختلف الناس في اتجاهاتهم، فعليهم أن يتعارفوا ويتآلفوا، حيث قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ ‌شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 13).

كما دعا القرآن الكريم في إطار التأسيس للسماحة الإسلامية إلى التكافل الاجتماعي، حيث قال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) (الإنسان: 8)، هذا التكافل يسهم في ترقيق القلوب، وجلب المودة والرحمة بين الناس.

5- الأساس الدعوي:

يعتبر الجانب الدعوي من أهم الأسس والركائز التي تقوم عليها السماحة الإسلامية، حيث إن إغفاله يؤدي إلى الإعراض والنفور، ولهذا اهتم القرآن الكريم بهذا الجانب، وأوضح أساليبه ووسائله، بما يضمن حسن التبليغ والبيان، ويحقق السماحة والرحمة، حيث قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ ‌سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف: 108)، وقال عز وجل: (‌ادْعُ ‌إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل: 125).

كما أوضح الله تعالى أن الدعوة بالرفق واللين هي السبيل إلى الاجتماع والتعاون والتآلف، وأن الغلظة والشدة لا تؤدي إلا إلى النزاع والشقاق، حيث قال الله عز وجل: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ ‌لِنْتَ ‌لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران: 159).

الوسم


أترك تعليق