أحدث الأخبار
عاجل

هل هناك فرصة لنجاح خطة «سايكس بيكو» الأمريكية المُصغرة لغزة؟

+ = -

في 29 أغسطس 2025م، قال المبعوث الأمريكي للبنان وسورية توم باراك: إن حدود «سايكس بيكو» انتهت، ومن حق «إسرائيل» أن تغير ما تشاء في أي وقت تريده، ما بدا وكأنه إنذار بأنه قد حان وقت تنفيذ تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في حملته الانتخابية بالسماح لـ«إسرائيل» الصغيرة بالتوسع؛ أي ضم الضفة الغربية، والأجزاء المقتطعة حديثًا من سورية، وأجزاء من جنوب لبنان، لمقايضتها مع السوريين بما ستأخذه «إسرائيل» من أراضيهم وربما غزة وفق خطة رئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتنياهو، وترمب، بالترغيب والترهيب لترحيل السكان تحت لافتة الخروج الطوعي.

وقال المبعوث الأمريكي توم باراك، بحسب موقع «ميدل إيست آي»: إن الحدود التي فرضتها «سايكس بيكو» أصبحت بلا معنى بالنسبة لـ«إسرائيل»، وستذهب حيثما تريد، وقتما تريد، وتفعل ما تريد لحماية «الإسرائيليين» وحدودهم.

وقبل ذلك في 25 مايو 2025م، غرد باراك عبر «إكس» قائلًا: قبل قرن من الزمن، فرض الغرب خرائط وحدودًا بالقلم، «سايكس بيكو» قسمت سورية والمنطقة من أجل مكاسب استعمارية لا سلام، ولن نكررها، قبل أن يعود لاحقًا ليقر ضمناً بحق الاحتلال في نهب ما يرغب من أراضٍ عربية.

تصريحات باراك نابعة من رؤيته كمبعوث خاص لترمب للشرق الأوسط، وتعبر عن موقف يعتبر أن الحدود الاستعمارية (مثل «سايكس بيكو») القديمة لم تعُد تعبر عن الواقع الجيوسياسي الحالي؛ ما يعني أن من حق «إسرائيل» خرق هذه الحدود التي وضعها الاستعمار وتغييرها واحتلال أجزاء منها.

خطة بلير وكوشنر

كان من الواضح أن تصريحات المبعوث الأمريكي ليست مجرد زلة لسان ولا هدفها الزعم أن أمريكا ليست دولة استعمارية قد تفرض على المنطقة خططاً جديدة لتغييرها وفق مفهوم الشرق الأوسط الجديد لنتنياهو، فقد سبقها دلائل.

فقد نشرت صحيفة «واشنطن بوست»، في 31 أغسطس 2025م، تقريرًا مفصلاً عن خطة ما بعد الحرب القادمة لقطاع غزة، المعروفة باسم «Gaza Reconstitution, Economic Acceleration and Transformation Trust»؛ وهي وثيقة تتكلم عن إقامة وصاية أمريكية غربية على غزة لمدة 10 سنوات، لتحويل القطاع إلى مركز ترفيهي وتكنولوجي فائق التطور يُشبه «ريفييرا الشرق الأوسط»، بالتعاون مع «إسرائيل».

وتنص هذه الخطة على ترحيل طوعي لسكان غزة مقابل إغراءات مالية، مع إنشاء مدن ذكية وشبكات نقل ومراكز تجارية تشمل استثمارات ضخمة بقيمة 100 مليار دولار، وتم التخطيط لها بمشاركة مستثمرين «إسرائيليين» وشركة استشارات كبرى هي «Boston Consulting Group»، بحسب صحيفة «الغارديان» البريطانية مطلع سبتمبر 2025م.

ونُقل أن كوشنر بالتعاون مع بلير قد عرضا هذه الخطة على ترمب كجزء من رؤية ما بعد الحرب، دون توضيح أنها خطة رسمية معتمدة، وجاءت الخطة عقب اجتماع سري مشبوه في البيت الأبيض، شارك فيه توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا السابق الذي شغل لاحقًا منصب مبعوث للشرق الأوسط، وجاريد كوشنر، المستشار الخاص للمرة الأولى لترمب، بتاريخ 27 أغسطس 2025م.

وقد تبين أن الاجتماع تناول: أزمة الرهائن في غزة وزيادة المعونات الغذائية لغزة وتشكيل خطة لما بعد الحرب بغزة (اليوم التالي)، خطة «GREAT Trust» أو «Gaza Riviera» أو «ريفييرا غزة» تم تداولها ضمن هذا الإطار، كمبادرة محتملة لتطبيقها بعد انتهاء النزاع تحت وصاية أمريكية وبمشاركة شركات «إسرائيلية» وأمريكية.

ومع أن الخطة لا يبدو أنها معتمدة رسميًا، لكنها وصفت تصور ترمب، ونتنياهو، المستقبلي المحتمل لنا بعد الحرب وتدمير غزة وتهجير أهلها، فالخطة تعتمد على تهجير أغلب الفلسطينيين طوعيًا إلى بلاد أخرى، أو ترحيلهم لمناطق متفرقة داخل القطاع ومحاط كل منها بسياح أمني (أي معازل كما كان يفعل هتلر مع اليهود)، تحت وصاية أمريكية وبالتنسيق أمنيًا مع «إسرائيل».

خطة مشبوهة

وقد وصفت صحيفة «هاآرتس» العبرية الخطة «الإسرائيلية» البريطانية التي قُدمت للإدارة الأمريكية لإعادة إعمار غزة، وتتضمن نقلًا موقتًا لجميع السكان؛ أي أكثر من مليوني إنسان وتحويل القطاع إلى منطقة يديرها صندوق تحت إشراف أمريكي مدة 10 سنوات، بأنها غريبة!

وتبين أن وثيقة هذه الخطة المشبوهة، التي تتألف من 38 صفحة ووصلت إلى الصحيفة الأمريكية، تشمل أيضاً بناء مدن ذكية قائمة على الذكاء الاصطناعي في القطاع، وتقديم حوافز اقتصادية للسكان الذين يختارون مغادرة غزة.

وبحسب التقرير، تنص الوثيقة على أن يُعرض على الفلسطينيين الانتقال الطوعي إلى دولة أُخرى، أو إلى مناطق آمنة داخل القطاع خلال فترة إعادة الإعمار، في مقابل حصولهم على 5000 دولار نقداً لتغطية إيجار مدعوم لـ4 سنوات وطعام مدعوم لمدة عام.

لكن المفارقة أن الرفض الفلسطيني للهجرة الطوعية ورفض المقاومة خطة ترمب للاستسلام دفعت «الإسرائيليين» لتنفيذ الشق المتعلق بإخلاء غزة كرهاً بالقوة والقتل والتهجير بدلًا من الإغراء الذي رفضه أهالي غزة؛ لذا بدأ التهجير وتوعّد نتنياهو سكان مدينة غزة، وتباهى بتدمير 50 برجًا سكنيًا بالمدينة خلال يومين، وقال: كل هذا مجرد مقدمة، مجرد بداية، للعملية المكثّفة الأساسية، غزو بري لقواتنا، التي تستعد الآن وتتجمع للدخول إلى مدينة غزة، ولذلك أقول لسكان غزة: استغلوا هذه الفرصة، واستمعوا إليَّ جيدًا؛ لقد أُعذر من أنذر، اخرجوا من هناك!

وقد شبهت مصادر مطلعة على تفاصيل الخطة، نقلًا عن التقرير، الصندوق الذي أُطلق عليه اسم الصندوق لإعادة الإعمار والتحول والتسريع الاقتصادي لغزة، أو اختصاراً «GREAT»، ببرامج إعادة الإعمار التي أقامتها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، مثل الإدارة العسكرية في اليابان وخطة مارشال في ألمانيا.

لكن، وبعكس تلك البرامج التي حصلت على موافقة الأمم المتحدة، فإن هذا الأمر لا يُرجح حدوثه في حالة غزة، بحسب تقرير «واشنطن بوست»، لتشبث أهالي غزة بأرضهم كما أعلنت حكومات عربية أنها لن تشارك في مثل هذه التحركات.

والغريب أن التقرير ذكر أن الترتيبات الأمنية الداخلية في غزة ستُسند إلى مواطنين من دول أجنبية ومتعاقدين غربيين خاصين؛ أي مرتزقة أجانب من دون تحديد هويتهم، على أن يتراجع دور هذه القوات بالتدريج خلال عقد من الزمن، لتحل محلها قوة شرطة محلية مدرّبة.

ووفقاً للتقديرات، فإن الصندوق سيتولى إدارة غزة عقدًا كاملًا إلى أن يتسلم كيان فلسطيني غير متطرف مكانه، وفق الخطة.

خطة صهيونية

وقد كشفت صحيفة «فايننشال تايمز» أن هذه الخطة الخاصة بصندوق «GREAT» طورها فريق من «الإسرائيليين» الذين ساهموا سابقًا في إنشاء «مؤسسة غزة الإنسانية» (GHF) المدعومة من «إسرائيل» والولايات المتحدة، والمسؤولة حاليًا عن توزيع الغذاء في القطاع وتقوم بعمليات قتل منظمة للفلسطينيين وتتشكل من موالين للصليبيين أتباع «فرسان الهيكل»، كما أشار تقرير سابق لـ«المجتمع».

وقالت الصحيفة البريطانية: إن حساب تكاليف الخطة تم على يد خبراء كانوا يعملون حينها في شركة الاستشارات الإستراتيجية الأمريكيةBoston Consulting Group (BCG).

وذكرت «فايننشال تايمز» بنودًا مشابهة في خطة منشورة، وأشارت إلى أن شركة «BCG» وضعت نموذجًا اقتصاديًا لخطة الانتقال الطوعي لسكان غزة، وساعدت أيضًا على تأسيس «مؤسسة غزة الإنسانية» (GHF).

وقال مصدران مطلعان على الخطة للصحيفة: إن جوانب رئيسة من المبادرة صُممت لتتوافق مع رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الذي أعلن في فبراير 2025م رغبته في تحويل غزة إلى ما وصفها بـ«ريفييرا الشرق الأوسط» (للأمريكيين و«الإسرائيليين» لا الفلسطينيين).

ولفتت «واشنطن بوست» إلى أن المشروع يعكس رؤية ترمب الشخصية، فهو يتعامل مع غزة كما يتعامل مع عقاراته فمنذ حملته الانتخابية عام 2024م، صرح مرارًا أن الولايات المتحدة ستتولى غزة، وبعد توليه منصبه قال: إن قطاع غزة تحول إلى موقع هدم هائل، لكنها على البحر، أفضل طقس، كل شيء رائع.

وقد حذر خبراء القانون الدولي من أن أي منع لعودة السكان أو حرمان متعمد من الغذاء والرعاية الصحية يُعد خرقًا للقانون الدولي وجريمة حرب محتملة، وشددت منظمات حقوقية على أن الخطة تُمثّل إعادة إنتاج لسياسات «الترانسفير»، عبر تسويق التهجير القسري بغطاء طوعي، لكن حقوقيين قالوا: إنه لا ترمب ولا نتنياهو (المقدم للمحاكمة أمام الجنائية الدولية) يهتمان بالقانون الدولي ويتصرفان وفق قانون البلطجة الدولية.

وقال محللون: إن الخطة تتجاهل تمامًا فكرة الدولة الفلسطينية وتركز على إعادة رسم غزة بما يخدم مصالح واشنطن و«تل أبيب»، واعتبروا أنها مزيج بين مشروع استثماري عقاري ومشروع سياسي استعماري.

ويتوقع فلسطينيون فشل خطة إدارة ترمب التي تستند لفكرة وصاية أمريكية لـ10 سنوات على الأقل، وإعادة توطين لمليوني فلسطيني مقابل تعويضات، وتحويل غزة إلى «ريفييرا الشرق الأوسط»، بسبب إصرار شعبها على البقاء رغم القتل والتجويع.

الوسم


أترك تعليق