ماذا لو علمت أن المقال الذي تقرأه الآن لم يكتبه إنسان؟
قد تبدو الجملة صادمة لفئة من الناس أو مستفزة لفئة أخرى، وقد يعتبرها البعض بداية لواقع جديد لم يعد خيالًا علميًا.
في غرف الأخبار العربية، على شاشات الصحفيين، وأحيانًا في مكاتب رؤساء التحرير، أصبح اسم «شات جي بي تي» يتردد همسًا أو فخرًا.
البعض يعتبره المساعد الذكي، وآخرون يرونه البديل الخطير، وبينهما، يقف الصحفي العربي حائرًا: هل يحتضن هذه الثورة ويعيد تشكيل أدواته، أم يقاومها خوفًا من زوال دوره؟
هذا التحقيق يغوص في عمق هذه الإشكالية لتكون أكثر وضوحاً.
هل يغيّر الذكاء الاصطناعي ملامح الصحافة العربية، أم يهدد وجودها؟
في كل المواقف ولكل المهام تجده حاضراً مستعداً، وفي جعبته الكثير مما تحتاجه ومما لا تحتاجه، فهل كل ما يأتي به صحيح؟ وهل كل ما يأتي به مناسب؟
لذلك سيكون تحقيقنا اليوم شاملاً إيجابيات وسلبيات «شات جي بي تي» في العمل الصحفي.
في البداية، مع طالبة بكلية الإعلام جامعة الملك فيصل بالمملكة العربية السعودية.
الذكاء الاصطناعي.. هل يستحوذ على وظائف مليار شخص على مستوى العالم؟ | مجلة المجتمع
مجلة المجتمع الكويتية: منصة إعلامية رائدة تُعنى بالشأن الإسلامي وتقدم تقارير ومقالات تعزز الوعي الحضاري للأمة الإسلامية انطلاقاً من مرجعية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهي تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وترفع شعار “مجلة المسلمين حول العالم”.
mugtama.com
×
بداية، نرحب بك معنا كإعلامية المستقبل.. «شذا» الطالبة في السنة الثانية، كيف تتخيلين شكل الصحافة والإعلام في المستقبل؟
– أعتقد أن الصحافة والإعلام في المستقبل سيكون طابعهما أسرع من الآن، فمنذ 10 سنوات أو أقل كان القارئ مستعداً لقراءة مقال مكون من صفحة كاملة، اليوم نفس القارئ غير مستعد لذلك، يبحث عن الخبر لكن في عجالة واختصار.
هل سيتطور الذكاء الاصطناعي ليحل محل المحرر؟
– من الصعب أن يحل الذكاء الاصطناعي، في اعتقادي، محل المحرر بشكل كامل؛ لأن الخبر يحتاج للتحقق من حدوثه، ويحتاج أيضاً للبعد الإنساني، وهذا ما سيحفظ دور المحرر لفترات، والله أعلم.
ما رأيك في استخدام الذكاء الاصطناعي ليحل محل مذيع البرامج اليومية؟
– من الممكن ذلك، النشرة الجوية أو البورصة، أما في الأحداث اليومية والمشكلات الحياتية فأعتقد من الأفضل أن يكون الإعلامي إنساناً يجيد التواصل والإحساس.
في نهاية حديثنا معك «شذا» نشكرك ونتمنى لك التوفيق.
قد يتطور الذكاء الاصطناعي، لكنه من الصعب أن يحل محل البشر، من الصعب أن يحل ما خلقه البشر محل ما خلقه رب البشر.
سنحتاج في النهاية للمخلوق الحي لينفخ في كل مهنة من روحه.
وتأكيداً لذلك، كان لنا هذا الحوار مع الكاتب الصحفي، ومقدم البرامج، الأمين العام المساعد السابق للمجلس الأعلى للصحافة في مصر قطب العربي.
نرحب بك كاتبنا الكبير، ونبدأ معك بهذا السؤال: هل «شات جي بي تي» مجرد موضة وستنتهي، أم بداية لنهاية المهنة كما كنا نعرفها؟
– لا نستطيع أن نعتبره مجرد موضة، ولا يمكن أيضاً اعتباره بداية لنهاية المهنة، فالصحافة ليست مجرد جمل وكلمات يتم رصها بجوار بعضها لنخرج منها بتقرير أو تحقيق صحفي، لكنها أحداث ومواقف وممارسات وسياسات حية ومتغيرة، ودور الصحافة هو نقلها وشرحها وتحليلها وهو ما لا يستطيع أن يقوم به الذكاء الاصطناعي.
فهو لا يستطيع أن يغطي حدثاً محلياً أو دولياً كما يفعل الصحفي، كل ما يستطيع الذكاء الاصطناعي فعله هو توفير بعض المعلومات والإحصاءات والبيانات والتقديرات عن أشياء حدثت بالفعل، وتم نشر هذه المعلومات عنها، وكل ما في الأمر أن الذكاء الاصطناعي يكون قادراً على سرعة جلب هذه المعلومات ويمكنه أيضاً تحليلها وتقديم استنتاجات، ولكنها تظل استنتاجات وتحليلات غير دقيقة ولا يُعتمد عليها.
هل ترى أن بعض الوظائف التحريرية أصبحت مهددة؟
– نعم بعض الوظائف الصحفية مهددة، مثل الترجمة والتدقيق اللغوي، وربما الجرافيك، لكن قلب العمل الصحفي وهو الخبر والتقرير والحوار لا يمكن أن يقوم بها سوى إنسان طبيعي، يستطيع توجيه الأسئلة الصحيحة التي تنتج إجابات صحيحة، ويستطيع قراءة حركات الجسم والعين.. إلخ، ويستطيع بعد ذلك صياغة المادة الصحفية بطريقة أمينة ويكون مسؤولاً عما كتب، ويتعرض للمساءلة القانونية إذا أخطأ، وهذا لا ينطبق على الذكاء الاصطناعي.
ما المهارات الجديدة التي يجب على كل صحفي عربي امتلاكها ليواكب هذا التطور؟
– كلما كان الصحفي العربي على إحاطة جيدة لكل جديد في مهنة الصحافة سواء من حيث الأساليب التحريرية والإخراجية والتقنيات الجديدة في هذا المجال؛ استطاع أن يبدع ويتفوق.
هل ستتغير أقسام التحرير في السنوات القليلة القادمة؟
– أشكال أقسام التحرير تتغير دوماً بما يناسب العصر، كانت الاجتماعات من قبل حضورية، والآن تعقد الكثير منها «أون لاين»، هناك أقسام، كما ذكرت، لم يعد لوجودها ضرورة مثل الترجمة والتدقيق والإخراج الصحفي التقليدي، وحتماً ستنشأ أقسام جديدة لمواكبة التطورات.
كيف يمكن أن يتعايش الصحفي البشري مع الذكاء الاصطناعي؟
– سيظل الصحفي البشري هو الأصل، والذكاء الاصطناعي عنصراً مساعداً له، يساعده في توفير المعلومات المتاحة عن الموضوع الذي يرغب الكتابة فيه، ويقدم له نصائح، مع ضرورة الانتباه أن بعض التوصيات تكون صحيحة وبعضها غير ذلك، وحتى المعلومات التي يقدمها يكون بعضها صحيحاً وبعضها خاطئاً، ويختلف الأمر بين النسخ المدفوعة والمجانية لبرامج الذكاء الاصطناعي.
هل تؤمن أن «شات جي بي تي» سيجعل الصحافة أكثر دقة، أم أكثر سطحية؟
– هو سلاح ذو حدين، فهو يوفر للصحفي معلومات ربما لم يكن قادراً على استجلابها عبر البحث التقليدي ومحركات البحث التقليدية، لكنه كما ذكرنا يقدم أحياناً معلومات خاطئة، والمسؤولية هنا تقع على الصحفي الإنسان في تدقيق هذه المعلومات من أكثر من مصدر حتى لا يضع نفسه تحت المساءلة المهنية أو القانونية.
ولأننا ما زلنا في مرحلة البدايات، فإن ذلك قد يغري البعض بالاستسهال والطلب من الذكاء الصناعي بكتابة تقارير صحفية نيابة عنه، وينشرها رغم ما فيها من أخطاء، لكن مع الوقت ظهرت برامج تكشف ما هو طبيعي وما هو من إنتاج الذكاء الاصطناعي، وغالباً ستتحرك الجهات المعنية بالصحافة والإعلام لإصدار تشريعات وتعليمات لمواجهة هذا الاعتماد الغبي على الذكاء الاصطناعي.
قد يسأل البعض: هل هناك تضليل من نوع ما عندما لا يذكر المحرر أو الكاتب أن من ضمن مصادره «شات جي بي تي»؟
– الإجابة تظل محبوسة دوماً عند الكاتب، فهل هو استعان به كاملاً في عمله أم مجرد مساعد بحثي؟ وأن أمانة الكلمة وثقة القارئ المعلقان في رقبة كل صاحب رأي وخبر تجعله دوماً رجّاع للأصوب.
الذكاء الاصطناعي أداة قوية جداً ونقلة تكنولوجية رهيبة ستأخذ العالم إلى مناطق جديدة لم يروها من قبل، لكنه لا يمتلك الضمير الإنساني ولا الروح البشرية؛ لذلك سيظل الإنسان بنجاحاته وإخفاقاته بصوابه وخطئه بقوته وضعفه سيد أرضه.
أمل صلاح