تقوم وزارات التعليم في دول خليجية مثل السعودية والإمارات بدمج أدوات الذكاء الاصطناعي في الصفوف الدراسية، من خلال منصات تقييم ذكية، ومساعدين تعليميين افتراضيين، بل وحتى روبوتات تساعد في توصيل المعلومة.
وفي الوقت نفسه، يحذّر مختصون وتربويون من تزايد اعتماد الطلبة على أدوات مثل «ChatGPT» و«QuillBot» و«Khanmigo» في أداء الواجبات، بل وفي الإجابة عن الامتحانات المنزلية دون جهد شخصي.
هنا يتفجّر السؤال المحوري: هل الذكاء الاصطناعي يُشكّل قفزة في جودة التعليم؟ أم أنه بوابة لانهيار الجهد الذاتي، وتكريس الكسل العقلي؟ وهل نحن أمام أداة مساعدة أم بديل للعقل البشري؟
قفزة تقنية.. لا جدال في قوتها
التطور الذي يشهده الذكاء الاصطناعي في المجال التعليمي لا يمكن إنكاره، فوفق تقرير صادر عن منظمة «يونسكو» في مارس الماضي، ارتفعت نسبة استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المدارس حول العالم بنسبة 61% خلال عام واحد فقط، مع تخصيص أكثر من 12 مليار دولار لمشروعات تطوير التعليم الذكي في دول الخليج.
الإمارات كانت من أوائل الدول التي أدخلت الذكاء الاصطناعي في المنهج، من خلال برنامج «مدرسة المستقبل»، حيث يستخدم أكثر من 90% من طلاب المدارس الحكومية أدوات تحليل الأداء والتقييم التكيفي، وتستهدف الخطة الوصول إلى تعليم مخصص لكل طالب حسب مستواه.
الطالب يعتمد.. ولا يتعلم؟
لكن رغم هذه الأرقام المبشرة، هناك أصوات تقلق من الوجه الآخر لهذه الطفرة؛ حيث يشير تقرير لمركز «EdTech Digest»، الصادر في يونيو الماضي، إلى أن 42% من الطلاب في المرحلة الثانوية أصبحوا يعتمدون بشكل شبه كلي على أدوات الذكاء الاصطناعي في حل الواجبات، دون التحقق من صحة المعلومات، أو حتى محاولة الفهم.
وأكثر من ذلك، فإن 18% من طلاب الجامعات الأمريكية اعترفوا باستخدام أدوات ذكاء اصطناعي لإعداد أبحاثهم النهائية.
يؤكد البروفيسور جون كراوفورد من جامعة أكسفورد، والمتخصص في علوم التعلم، أننا ندخل مرحلة قد يصبح فيها الذكاء الاصطناعي هو من يتعلّم بدلًا من الطالب! وفق وسائل إعلام غربية.
وبالنسبة للخليج، لم تظهر بعد أرقام واضحة عن تأثير ذلك، لكن تجارب ميدانية في مدارس الرياض وأبوظبي كشفت أن الطلاب والطالبات أصبحوا أقل قدرة على التعبير الكتابي الشخصي، وأكثر اعتمادًا على إعادة إنتاج محتوى الذكاء الاصطناعي.
ما الذي تبقى للمعلم؟
في ظل هذه التحولات، بدأت تظهر مخاوف بين المعلمين أنفسهم، عبر عنها تقرير صادر عن «الاتحاد العالمي للمعلمين» (WTEU)، أفاد بأن 57% من المعلمين في الشرق الأوسط يشعرون بأن دورهم سيتقلص أمام قدرات الذكاء الاصطناعي في الشرح والتقييم والتفاعل.
لكن في المقابل، يرى البعض في الذكاء الاصطناعي فرصة لإعادة تشكيل دور المعلم من ناقل للمعلومة إلى موجه للفكر.
تقول د. منال الشمري، خبيرة تطوير المناهج في الكويت: المعلم لن يُستبدل، لكنه يحتاج أن يُعاد تأهيله ليصبح مرشدًا، لأن الطلاب اليوم لا يحتاجون من يُخبرهم بالمعلومة، بل من يعلمهم كيف يتعاملون مع سيل المعلومات.
ذكاء اصطناعي أم تفكير إنساني؟
إذا كانت التقنية اليوم قادرة على تقديم إجابات فورية وشرح تفاعلي، فإن التحدي الأكبر هو كيف نحافظ على وظيفة «التفكير» داخل عقل الطالب؟ فالذكاء الاصطناعي لا يقرأ مشاعر الطالب، ولا يعرف ظروفه النفسية، ولا يُعلّمه الإصرار أو الاجتهاد.
ولذلك، فإن توصيات «منتدى التعليم الخليجي الذكي» في نسخته الأخيرة بالبحرين (يوليو 2025م)، شددت على ضرورة عدم السماح باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في المهام الكتابية الذاتية، إضافة إلى تدريب المعلمين على توجيه الطلاب لاستخدام التقنية كـ«مساعد لا بديل».
وأكدت توصيات المنتدى الخليجي أيضاً حتمية وضع منهجيات تقييم تركّز على الفهم والتفكير النقدي لا الحفظ أو النقل.
وفي النهاية، نؤكد أن الذكاء الاصطناعي فرصة ثمينة لتحديث التعليم، لكنه قد يتحوّل إلى سلاح ضد التعليم إذا لم يُضبط.
فالهدف من التعليم ليس تسليم الواجبات، بل بناء عقول.. وإذا سمحنا للتقنية أن تفكر نيابة عن الطالب، فسنربّي جيلًا يعرف كيف يحصل على المعلومة، لكنه لا يعرف لماذا يبحث عنها أصلاً.
الخليج اليوم أمام فرصة ريادية في بناء نموذج تعليمي ذكي، لكن إنساني في جوهره، لا يُفرّط في العقل، ولا يعبد التقنية.
محمد العبدالله