أحدث الأخبار
عاجل

دراسات الشرق الأوسط وطلائع الاستخبارات

+ = -

تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية وحدها تدير 53 مركزًا ومعهدًا بحثيًّا في منطقة الشرق الأوسط، وذلك لأعمال المراقبة الإعلامية والدراسات التحليلية للظاهرة الإسلامية في كل تجلياتها، بدءًا من مراجعة التراث، إلى حركية الواقع، إلى آفاق المستقبل.

والسمة الغالبة على كل هذه المراكز البحثية المتخصصة، هي الإسهام “الإسرائيلي” الفائق في التأسيس والإدارة، حد الهيمنة الكاملة.

منها على سبيل المثال (مؤسسة MEMRI، معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط)، وهو مؤسسة رصد إعلامية (صهيو-أمريكية) غير ربحية، مقرها العاصمة الأمريكية (واشنطن)، ولها مكاتب في لندن، وبرلين، والقدس، وروما، وشنغهاي، وبغداد، وطوكيو، لكن باحثيها ومراسليها يغطون المنطقة بأسرها دون استثناء.

وقد تأسس هذا المعهد عام 1998م، برأس مال ضخم جدًّا، وموارد سنوية متدفقة، وهو يقوم بتنظيم حملات، ومواد إعلامية، ودراسات، وأبحاث، وترجمات، وإجراء استبيانات باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والفارسية والتركية. وقد أسسه الضابط الكبير بالجيش “الإسرائيلي” (إيغال ليريون) والدكتور “الإسرائيلي” الأمريكي (ميراڤ وورسز).

ثم تضخمت هذه المراكز بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، وتعددت أدوارها، واتسعت مجالات أنشطتها، ويقع ضمن أهم أعمالها، مراقبة الصحافة العربية والإيرانية والتركية وإعداد المواد والموضوعات التي لا تنحاز لـ “إسرائيل”، خاصة ما يتعلق منها بالسوشيال ميديا، وما يتعاطى مع هوية المنطقة وحركتها المستقبلية، إلى جانب رصد أي توجهات ترى أن أمريكا والغرب أعداء للإسلام والمسلمين. ومحللها السياسي الأول، هو اليهودي الصهيوني العربي الأصل الدكتور (نمروذ فاعيلي).

وهي متغلغلة في عملها بالمنطقة العربية كلها تحت ستار البحث العلمي، وتقوم بتجنيد عملائها تحت هذا الستار، خاصة في المجالات الإعلامية والبحوث الاجتماعية.

وهناك (معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط) الذي أسسته (إيباك)، وهي لجنة العلاقات الأمريكية “الإسرائيلية” في (واشنطن) والذي يهدف إلى دعم المواقف الإسرائيلية واعتماد وترويج أدبيات وسرديات “إسرائيل” وأمريكا بشأن قضايا المنطقة، عن طريق تنميطها، وتفصيلها، وتفكيكها، وتوزيعها على السادة الباحثين العملاء.

كما أن هناك الأخطر من ذلك كله، وهو (المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي JINSA)، وهو مركز أبحاث “إسرائيلي” التنظيم والتفعيل والتشغيل تمامًا. وهو المركز الأكثر فعالية بين كل منظمات اللوبي (الصهيو-أمريكي)، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات العسكرية “الإسرائيلية” الأمريكية، كما أنه اللاعب الأكبر في إعادة تقييم العلاقات الأمريكية بكل من مصر والسعودية ودول الخليج.

ونعيد التأكيد على أن هناك 53 مركزًا بحثيًّا في هذا الشأن تقوم بالرصد والمعلوماتية والتحليل والتفسير والتنمية، وتفعيل هذه المعلومات التي تمثل Think Tanks. ومن المعلوم أن هذه المراكز والمؤسسات تمتلك شبكات استخباراتية نافذة، تخترق من خلالها المنطقة كلها، عبر أجهزة التنصت، التي تحولت بعد أحداث 11 سبتمبر، من نطاق مكافحة الإرهاب ومراقبة الظاهرة الإسلامية، إلى غطاء نصف مكشوف لتصفية الخصوم ماديًّا ومعنويًّا. بمعنى أنها أضحت تعمل تحت الإشراف المباشر لأجهزة الاستخبارات، وأن الموساد “الإسرائيلي” له الذراع الطولى فيها جميعًا.

وقد نجحت هذه السياسة المتوحشة الناعمة، إلى حد كبير في تغيير كل مقومات الوعي، بالربط العضوي بين الإسلام كدين والإرهاب كسلوك، حتى أضحى المخيال الغربي أسيرًا لهذه الخلاصة السامة، تمامًا كما أن الذهنية (الشرق-أوسطية)، قد وقعت ضحية مستسلمة لهذا الاختزال الحاد الجائر، الذي أنتج واقعًا سياسيًّا ودينيًّا معقدًا في المنطقة كلها، انعكس بدوره على تشكيل كل الخرائط الفكرية، والأمنية، والثقافية، حتى باتت كثير من الأنظمة القائمة بالمنطقة رهينة لهذا التدوير المعلوماتي الفاسد، وفق نظرية الحماية الزائدة، التي تعتمد على هذا الزاد الاستخباراتي في المقام الأول.

بل وأوقع بعض البلدان رهينة لتغوُّل الدولة الأمنية، التي باتت تعجن المجتمعات، وتعيد خَبزها كفطائر وشطائر ومقرمشات، تحت وهم التوجس الدائم، والقلق القائم، من الإرهاب المتوقع، والصادر عن الإسلام والمسلمين كمكوّن فاعل، أو قابل للتفعيل الحضاري، المؤسس لهذه الفوبيا الكونية المنتجة للأجسام المضادة، الشديدة الإضرار بالجهاز المناعي للإسلام، كفكرة ومعتقد، ووجود ومستقبل.

إلى جانب احتماء كل فِرَق العمل بهذه المراكز، بروافع الضغط الأمريكي المتجاوز لمعظم أدبيات العمل السياسي بالمنطقة، عن طريق خلع القفاز، والعمل بالأيادي العارية، وقد ترك الخداع، من خلع القناع.

د. محمود خليل

الوسم


أترك تعليق