أحدث الأخبار
عاجل

«نتفليكس».. معول هدم في قلب الأمة

+ = -

لم تكن المعركة يومًا بين أمةٍ وأمة، ولا بين حضارةٍ وحضارة، بل كانت منذ أول الطريق بين الحق والباطل، بين الفطرة والانحراف، بين الإيمان والشهوة.

وفي هذا الزمان الذي تداخلت فيه الحدود، وغابت فيه الرايات، وتغيرت فيه ملامح الجند، دخل الباطل بوجه جديد، لا يحمل سيفًا، ولا يرفع راية، لكنه ينساب إلى القلوب من نافذة شاشة اسمه اليوم «نتفليكس»!

«نتفليكس» ليست مجرد منصة ترفيهية كما يروّج أصحاب الأهواء، بل هي المنبع الذي تنفجر منه ينابيع الشرور، ومصبّ الفتنة الذي تصبّ فيه كل روافد الانحراف والغواية.

هي المنصة التي تُغذّي الانحلال، وتُروّج للرذيلة، وتُعيد تشكيل الإنسان من داخله، لا بالإقناع العقلي، بل بالمشهد الآسر، والكلمة الناعمة، والصورة الفاتنة، والحوار المحبوك على مهلٍ لتخدير الفطرة، حتى تستسلم الأرواح للانحراف، وتفقد القلوب مناعتها، وتغدو العقول أسيرة شهواتها.

إنها تُرينا البطل وهو فاسق، وتُجمّل المنحرف، وتُسوّق للرذيلة تحت لافتة الحرية الشخصية، وتُطبع مع الشذوذ الجنسي باسم القبول والانفتاح، حتى تصبح القلوب مُهيأة لقبول الباطل، ثم الدفاع عنه، ثم محاربة من يُنكره!

إنّ أعظم ما يُحزن القلب، ويهزّ النفس، أن هذا الغزو الأخلاقي قد بلغ عُمق الأمة، دخل بيوت المسلمين بلا استئذان، استباح أعين الشباب، واحتل ساعاتهم الطويلة، وملأ قلوبهم بالشهوات، وأفرغها من المعاني.

لقد غابت الصورة القرآنية للإنسان المؤمن، ذاك الذي يتورع عن النظرة الحرام، ويتأدب في المشاعر، ويغض الطرف عن الفتنة، ويستحيي من الله أن يُؤتى يوم القيامة وقد ملأ قلبه وعينيه بما يسخط ربّه.

وغابت القدوة الربانية، وحضرت بدلًا عنها قدوات الشاشة، من نجوم الفجور، ورموز التفاهة، حتى أُعيد تشكيل وعي الجيل بأكمله على أساس هابطٍ لا يمت إلى الإسلام بصلة!

يا شباب الإسلام، أين أنتم؟ إنكم اليوم أمام امتحان من نوع جديد، لا يُمتحن فيه الجسد بالسلاح، بل يُمتحن فيه الإيمان بالصبر، والنفس بالاستقامة، والبصيرة بالثبات.

إنه امتحان البقاء على الطريق في زمن الانحراف، امتحان الحفاظ على النقاء في بحرٍ من القذارة، امتحان أن تقول: «لا» في وجه التيار الجارف، أن تثبت على الفطرة في عالمٍ يُسوّق للانحراف باسم الحضارة! (قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا) (الأنعام: 104).

يا آباء ويا أمهات، لا تسلموا أبناءكم للذئاب، إنه التفريط في الأمانة، وإنها الخيانة لميثاق الله، أن تترك ابنك أو ابنتك فريسةً لشاشةٍ لا ترقب في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمة، ثم تشتكي ضياعهم بعد ذلك!

أيها الآباء، إن أعين أبنائكم تغرف كل يوم من هذا المستنقع، وإنّ القلب إن تلوّث طويلاً، فلن ينجو إلا برحمةٍ من الله؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) (التحريم: 6).

الطريق واضح.. لكنه يحتاج إرادة

نعم، هناك بدائل، وهناك محتوى نقي، وهناك وسائل للخير والتزكية، لكن من أراد الطهارة فليُعدّ نفسه لحرب، فإن الطاهر في زمن الفتنة غريب، مجاهد، صابر، متوكّل على الله وحده، لا يطلب الرضا من الناس، بل يسعى لرضا ربّه.

وأخيرًا، هذه المنصة وغيرها ليست مجرد ترفيه، إنها دعوة صريحة للانسلاخ من الدين، والذوبان في الجاهلية الحديثة.

فإما أن نُدرك خطورة المعركة، ونُعد لها عدّتها، ونحصّن أبناءنا ومجتمعاتنا، وإما أن نصحو ذات يومٍ، وقد تبدّلت الفطر، ومُسخت القلوب، وتحوّل أبناء الإسلام إلى أيتامٍ على مائدة الحضارة الغربية! (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) (النساء: 27).

الوسم


أترك تعليق